السؤال : ما هي أنواع التوحيد مع تعريف كل منها ؟
ج : أنواع التوحيد : ثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، فتوحيد الربوبية : هو إفراد الله تعالى بالخلق والرزق والإحياء والإماتة وسائر أنواع التصريف والتدبير لملكوت السموات والأرض ، وإفراده تعالى بالحكم والتشريع بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، قال تعالى : ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين )(الأعراف/54) .
وتوحيد الألوهية : هو إفراد الله تعالى بالعبادة فلا يعبد غيره ، ولا يدعى سواه ، ولا يستغاث ولا يستعان إلاّ به ، ولا ينذر ولا يذبح ولا ينحر إلاّ له ، قال الله تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )(الأنعام/162 ، 163) ، وقال : ( فصل لربك ونحر )(الكوثر/2) .
وتوحيد الأسماء والصفات : هو وصف الله تعالى وتمسيته بما وصف وسمّى به نفسه ، وبما وصفه وسمّاه به رسوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة ، وإثبات ذلك له من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تأويل ولا تعطيل : ( ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير )(الشورى/11) .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1/55) .
-----------------------------------
سؤال : هناك من يرى جواز التبّرك بالعلمـاء والصالحين وآثارهـم مستدلاً بما ثبت من تبرك الصحابة - رضي الله عنهم - بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فما حكم ذلك ؟ ثم أليس فيه تشبـيه لغـير النبي صلى الله عليه وسلم بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ وهل يمكن التبرك بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ، بعد وفاته ؟ وما حكم التوسّل إلى الله - تعالى - ببركة النبي ، صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : لا يجوز التبّرك بأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لا بوضوئه ، ولا بشعره ، ولا بعرقه ، ولا بشيء من جسده ، بل هذا كله خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لمـا جعل الله في جسده وما مسّه من الخير والبركة .
ولهذا لم يتبّرك الصحابة - رضي الله عنهـم - بأحد منهم ، لا في حياته ولا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، لا مع الخلفاء الراشدين ولا مع غيرهم ، فدل ذلك على أنهم قد عرفوا أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره ، ولأن ذلك وسيلة إلى الشرك وعبادة غير الله سبحانه ، وهكذا لا يجوز التوسل إلى الله - سبحانه - بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ، أو ذاته أو صفته أو بركته لعدم الدليل على ذلك ، ولأن ذلك من وسائل الشرك به والغلّو فيه عليه الصلاة والسـلام ، ولأن ذلك أيضاً لم يفعله أصحابه - رضي الله عنهم - ولو كان خيراً لسبقونا إليه ، ولأن ذلك خلاف الأدلة الشرعية ، فقد قال الله عز وجل: ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ، ولم يأمر بدعائه - سبحانه - بجاه أحد أو حق أحد أو بركة أحـد .ويلحق بأسمائه - سبحانه - التوسّل بصفاته كعزّته ، ورحمته ، وكلامه وغير ذلك .
ومن ذلك ما جاء في الأحاديث الصحيحة من التعوذ بكلمات الله التامات ،
والتعوذ بعزة الله وقدرته .
ويلحق بذلك أيضاً التوسل بمحبة الله - سبحانه - ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبالإيمان بالله وبرسوله ، والتوسل بالأعمال الصالحات ، كما في قصة أصحاب الغار الذين آواهم المبيت والمطر إلى غار فدخلوا فيه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدّت عليهم باب الغار ، ولم يستطيعوا دفعها ، فتذاكروا بينهم في وسيلة الخلاص منها ، واتفقوا بينهم على أن لن ينجيهم منها إلا أن يدعوا الله بصـالح أعمالهم ، فتوسل أحدهم إلى الله - سبحانه - في ذلك ببرّ والديه ، فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخـروج منه، ثم توسل الثاني بعفته عن الزنا بعد القدرة عليه ، فانفرجت الصخرة بعض الشيء لكنهم لا يستطيعون الخروج من ذلك ، ثم توسل الثالث بأداء الأمانة فانفرجت الصخرة وخرجوا .
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار من قبلنا لما فيه من العظة لنـا والتذكير .
وقد صرح العلماء - رحمهم الله - بما ذكرته في هذا الجواب كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم ، والشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد وغيرهم ، وأما حديث توسل الأعـمى بالنبي صلى الله عليه وسلم في حيـاته صلى الله عليه وسلم فشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له فرد الله عليه بصره ، فهـذا توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفـاعته وليس ذلك بجاهه وحقه ، كما هو واضح في الحديث ، وكما يتشفع الناس به يوم القيامة في القضاء بينهم ، كما يتشفع به يوم القيامة أهل الجنة ، وكل هذا توسل به في حياته الدنيوية والأخروية ، وهو توسل بدعائه وشفاعته لا بذاته وحقه كما صرح بذلك أهل العلم ، ومنهم من ذكرنا آنفاً .
من فتاوى ابن باز
--------------------------------
السؤال : ما حكم التوسل وما أقسامه ؟
الجواب : التوسل اتخاذ الوسيلة ، والوسيلة كل ما يوصل إلى المقصود فهي من الوصل لأن الصاد والسين يتناوبان ، كما يقال ، صراط وسراط وبصطة وبسطة .
والتوسل في دعاء الله تعالى أن يقرن الداعي بدعائه ما يكون سبباً في قبول دعائه ولا بد من دليل على كون هذا الشيء سببـاً للقبول ، ولا يعلم ذلك إلا من طريق الشرع ، فمن جعل شيئاً من الأمـور وسيلة له في قبول دعائه بدون دليل من الشرع فقد قال على الله ما لا يعلم ، إذ كيف يدري أن ما جعله وسيلة مما يرضاه الله تعالى ويكون سبباً في قبول دعائه ؟ والدعـاء من العبادة ، والعبادة موقوفة على مجئ الشرع بها ، وقد أنكر الله تعالى على من اتبع شرعاً بدون إذنه وجعله من الشرك فقال تعـالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) (سورة الشورى : 21 ) وقال تعـالى : ( اتخـذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) ( سورة التوبة : 31 ) .
والتوسل في دعاء الله تعالى قسمان :
القسم الأول : أن يكون بوسيلة جاءت بها الشريعة ، وهو أنواع :
الأول : التوسل بأسماء الله تعـالى وصفاته وأفعـاله ، فيتوسل إلى الله تعالى بالاسم المقتضي لمطلوبه أو بالصفة المقتضية له أو بالفعل المقتضي ، قال الله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ، اللهم يا رحيم ارحمني ، ويا غفور اغفر لي ، ونحـو ذلك وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ اللهـم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ] وعلم أمته أن يقولوا في الصلاة عليه : ( اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ) .
والثاني : التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته كقوله عن أولي الألباب : ( ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ) (سورة آل عمران :193) .
وقوله : ( إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا ) (سورة المؤمنون : 109 ) .
وقوله عن الحواريين : ( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) (سورة آل عمران :53 )
الثالث : أن يتوسل إلى الله بذكر حال الداعي المبيّنة لاضطراره وحاجته كقول موسى عليه السـلام ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) ( سورة القصص : 24 ) .
الرابع : أن يتوسل إلى الله بدعـاء من ترجى إجابته ، كطلب الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم ، مثل قول الرجـل الذي دخل يوم الجمعـة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : ادع الله أن يغيثنا وقول عكاشة بن محصن للنبي صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يجعلـني منهم .
وهذا إنما يكون في حياة الداعي أما بعـد موته فلا يجوز ، لأنه لا عمل له فقد انتقـل إلى دار الجزاء ، ولذلك لما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم ، بل استسقى عمر بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : قم فاستسق ، فقام العباس فدعا ، وأما ما يروى عن العتـبي أن أعرابيـاً جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : ( ولو أ نهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ) ( سورة النساء : 64 ) . وقد جئتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعـاً بك إلى ربي ... وذكر تمام القصة فهذه كذب لا تصح ، والآية ليس فيها دليل لذلك ، لأن الله يقول : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ) ولم يقل إذا ظلموا أنفسهم و إذ لما مضى لا للمستقبل ، والآية في قوم تحاكموا أو أرادوا التحاكم إلى غير الله ورسوله كما يدل على ذلك سياقها السابق واللاحق .
القسم الثاني : أن يكون التوسل بوسيلة لم يأت بها الشرع وهي نوعان :
أحدهما : أن يكون بوسيلة أبطلها الشرع ، كتوسل المشركين بآلهتهم ، وبطلان هذا ظاهر .
الثاني : أن يكون بوسيلة سكت عنها الشرع وهذا محرم ، وهو نوع من الشرك ، مثل أن يتوسل بجاه شخص ذي جـاه عند الله فيقول : أسألك بجاه نبيـك . فلا يجوز ذلك لأنه إثبات لسبب لم يعتبره الشرع ولأن جاه ذي الجاه ليس له أثر في قبول الدعـاء لأنه لا يتعلق بالداعي ولا بالمدعو ، وإنما هو من شأن ذي الجاه وحده ، فليس بنافع لك في حصول مطلوبك أو دفع مكروبك ، ووسيلة الشيء ما كان موصلاً إليه ، والتوسل بالشيء إلى ما لا يوصـل إليه نوع من العبث ، فلا يليق أن تتخذه فيما بينك وبـين ربك . والله الموفق .
من فتاوى ابن عيثمين
---------------------------------
سئل الشيخ ابن عثيمين - حفظه الله - عن الكهانة ؟ وحكم إتيان الكهان ؟
فأجاب بقوله : الكهانة فعالة مأخوذة من التكهن ، وهو التخرص والتماس الحقيقة بأمور لا أساس لها ، وكانت في الجاهلية صنعة لأقوام تتصـل بهم الشياطين وتسترق السمع من السمـاء وتحدثهم به ، ثم يأخذون الكلمة التي نقلت إليهم من السماء بواسطة هؤلاء الشياطين ويضيفون إليها ما يضيفون من القول ثم يحدثون بها الناس ، فإذا وقع الشيء مطابقاً لما قالوا اغتر بهم الناس واتخذوهم مرجعاً في الحكم بينهم ، وفي استنتاج ما يكون في المستقبل ، ولهذا نقول : الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل .
والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه ، فهذا محرم ، وعقوبة فاعـله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً ، كما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من أتى عرّافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً أو أربعين ليلة ] .
القسم الثاني : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به ، فهذا كفر بالله - عز وجل - لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب ، وتصديق البشر في دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى - : ( قل لا يعلم من في السماوت والأرض الغيب إلا الله ) ولهذا جاء في الحديث الصحيح : [ من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما نزّل على محمد ، صلى الله عليه وسلم ] .
القسم الثالث : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس ، وأنها كهانة وتمويه وتضليل ، فهـذا لا بأس به ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه ابن صياد ، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه فسأله النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ماذا خبأ له ؟ فقال : الدخ يريد الدخان . فقال النـبي : [ اخسأ فلن تعدو قدرك ]
هذه أحوال من يأتي إلى الكاهن ثلاثة :
الأولى : أن يأتي فيسأله بدون أن يصدقه ، وبدون أن يقصد بيان حاله فهذا محرم ، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين ليلة .
الثانية : أن يسأله فيصدقه وهذا كفر بالله - عز وجل - على الإنسان أن يتوب منه ويرجع إلى الله - عز وجل - وإلا مات على الكفر .
الثالثة : أن يأتيه فيسأله ليمتحنه ويبين حاله للناس فهذا لا بأس به .
ج : أنواع التوحيد : ثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، فتوحيد الربوبية : هو إفراد الله تعالى بالخلق والرزق والإحياء والإماتة وسائر أنواع التصريف والتدبير لملكوت السموات والأرض ، وإفراده تعالى بالحكم والتشريع بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، قال تعالى : ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين )(الأعراف/54) .
وتوحيد الألوهية : هو إفراد الله تعالى بالعبادة فلا يعبد غيره ، ولا يدعى سواه ، ولا يستغاث ولا يستعان إلاّ به ، ولا ينذر ولا يذبح ولا ينحر إلاّ له ، قال الله تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )(الأنعام/162 ، 163) ، وقال : ( فصل لربك ونحر )(الكوثر/2) .
وتوحيد الأسماء والصفات : هو وصف الله تعالى وتمسيته بما وصف وسمّى به نفسه ، وبما وصفه وسمّاه به رسوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة ، وإثبات ذلك له من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تأويل ولا تعطيل : ( ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير )(الشورى/11) .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1/55) .
-----------------------------------
سؤال : هناك من يرى جواز التبّرك بالعلمـاء والصالحين وآثارهـم مستدلاً بما ثبت من تبرك الصحابة - رضي الله عنهم - بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فما حكم ذلك ؟ ثم أليس فيه تشبـيه لغـير النبي صلى الله عليه وسلم بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ وهل يمكن التبرك بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ، بعد وفاته ؟ وما حكم التوسّل إلى الله - تعالى - ببركة النبي ، صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : لا يجوز التبّرك بأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لا بوضوئه ، ولا بشعره ، ولا بعرقه ، ولا بشيء من جسده ، بل هذا كله خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لمـا جعل الله في جسده وما مسّه من الخير والبركة .
ولهذا لم يتبّرك الصحابة - رضي الله عنهـم - بأحد منهم ، لا في حياته ولا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، لا مع الخلفاء الراشدين ولا مع غيرهم ، فدل ذلك على أنهم قد عرفوا أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره ، ولأن ذلك وسيلة إلى الشرك وعبادة غير الله سبحانه ، وهكذا لا يجوز التوسل إلى الله - سبحانه - بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ، أو ذاته أو صفته أو بركته لعدم الدليل على ذلك ، ولأن ذلك من وسائل الشرك به والغلّو فيه عليه الصلاة والسـلام ، ولأن ذلك أيضاً لم يفعله أصحابه - رضي الله عنهم - ولو كان خيراً لسبقونا إليه ، ولأن ذلك خلاف الأدلة الشرعية ، فقد قال الله عز وجل: ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ، ولم يأمر بدعائه - سبحانه - بجاه أحد أو حق أحد أو بركة أحـد .ويلحق بأسمائه - سبحانه - التوسّل بصفاته كعزّته ، ورحمته ، وكلامه وغير ذلك .
ومن ذلك ما جاء في الأحاديث الصحيحة من التعوذ بكلمات الله التامات ،
والتعوذ بعزة الله وقدرته .
ويلحق بذلك أيضاً التوسل بمحبة الله - سبحانه - ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبالإيمان بالله وبرسوله ، والتوسل بالأعمال الصالحات ، كما في قصة أصحاب الغار الذين آواهم المبيت والمطر إلى غار فدخلوا فيه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدّت عليهم باب الغار ، ولم يستطيعوا دفعها ، فتذاكروا بينهم في وسيلة الخلاص منها ، واتفقوا بينهم على أن لن ينجيهم منها إلا أن يدعوا الله بصـالح أعمالهم ، فتوسل أحدهم إلى الله - سبحانه - في ذلك ببرّ والديه ، فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخـروج منه، ثم توسل الثاني بعفته عن الزنا بعد القدرة عليه ، فانفرجت الصخرة بعض الشيء لكنهم لا يستطيعون الخروج من ذلك ، ثم توسل الثالث بأداء الأمانة فانفرجت الصخرة وخرجوا .
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار من قبلنا لما فيه من العظة لنـا والتذكير .
وقد صرح العلماء - رحمهم الله - بما ذكرته في هذا الجواب كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم ، والشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد وغيرهم ، وأما حديث توسل الأعـمى بالنبي صلى الله عليه وسلم في حيـاته صلى الله عليه وسلم فشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له فرد الله عليه بصره ، فهـذا توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفـاعته وليس ذلك بجاهه وحقه ، كما هو واضح في الحديث ، وكما يتشفع الناس به يوم القيامة في القضاء بينهم ، كما يتشفع به يوم القيامة أهل الجنة ، وكل هذا توسل به في حياته الدنيوية والأخروية ، وهو توسل بدعائه وشفاعته لا بذاته وحقه كما صرح بذلك أهل العلم ، ومنهم من ذكرنا آنفاً .
من فتاوى ابن باز
--------------------------------
السؤال : ما حكم التوسل وما أقسامه ؟
الجواب : التوسل اتخاذ الوسيلة ، والوسيلة كل ما يوصل إلى المقصود فهي من الوصل لأن الصاد والسين يتناوبان ، كما يقال ، صراط وسراط وبصطة وبسطة .
والتوسل في دعاء الله تعالى أن يقرن الداعي بدعائه ما يكون سبباً في قبول دعائه ولا بد من دليل على كون هذا الشيء سببـاً للقبول ، ولا يعلم ذلك إلا من طريق الشرع ، فمن جعل شيئاً من الأمـور وسيلة له في قبول دعائه بدون دليل من الشرع فقد قال على الله ما لا يعلم ، إذ كيف يدري أن ما جعله وسيلة مما يرضاه الله تعالى ويكون سبباً في قبول دعائه ؟ والدعـاء من العبادة ، والعبادة موقوفة على مجئ الشرع بها ، وقد أنكر الله تعالى على من اتبع شرعاً بدون إذنه وجعله من الشرك فقال تعـالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) (سورة الشورى : 21 ) وقال تعـالى : ( اتخـذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) ( سورة التوبة : 31 ) .
والتوسل في دعاء الله تعالى قسمان :
القسم الأول : أن يكون بوسيلة جاءت بها الشريعة ، وهو أنواع :
الأول : التوسل بأسماء الله تعـالى وصفاته وأفعـاله ، فيتوسل إلى الله تعالى بالاسم المقتضي لمطلوبه أو بالصفة المقتضية له أو بالفعل المقتضي ، قال الله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ، اللهم يا رحيم ارحمني ، ويا غفور اغفر لي ، ونحـو ذلك وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ اللهـم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ] وعلم أمته أن يقولوا في الصلاة عليه : ( اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ) .
والثاني : التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته كقوله عن أولي الألباب : ( ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ) (سورة آل عمران :193) .
وقوله : ( إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا ) (سورة المؤمنون : 109 ) .
وقوله عن الحواريين : ( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) (سورة آل عمران :53 )
الثالث : أن يتوسل إلى الله بذكر حال الداعي المبيّنة لاضطراره وحاجته كقول موسى عليه السـلام ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) ( سورة القصص : 24 ) .
الرابع : أن يتوسل إلى الله بدعـاء من ترجى إجابته ، كطلب الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم ، مثل قول الرجـل الذي دخل يوم الجمعـة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : ادع الله أن يغيثنا وقول عكاشة بن محصن للنبي صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يجعلـني منهم .
وهذا إنما يكون في حياة الداعي أما بعـد موته فلا يجوز ، لأنه لا عمل له فقد انتقـل إلى دار الجزاء ، ولذلك لما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم ، بل استسقى عمر بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : قم فاستسق ، فقام العباس فدعا ، وأما ما يروى عن العتـبي أن أعرابيـاً جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : ( ولو أ نهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ) ( سورة النساء : 64 ) . وقد جئتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعـاً بك إلى ربي ... وذكر تمام القصة فهذه كذب لا تصح ، والآية ليس فيها دليل لذلك ، لأن الله يقول : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ) ولم يقل إذا ظلموا أنفسهم و إذ لما مضى لا للمستقبل ، والآية في قوم تحاكموا أو أرادوا التحاكم إلى غير الله ورسوله كما يدل على ذلك سياقها السابق واللاحق .
القسم الثاني : أن يكون التوسل بوسيلة لم يأت بها الشرع وهي نوعان :
أحدهما : أن يكون بوسيلة أبطلها الشرع ، كتوسل المشركين بآلهتهم ، وبطلان هذا ظاهر .
الثاني : أن يكون بوسيلة سكت عنها الشرع وهذا محرم ، وهو نوع من الشرك ، مثل أن يتوسل بجاه شخص ذي جـاه عند الله فيقول : أسألك بجاه نبيـك . فلا يجوز ذلك لأنه إثبات لسبب لم يعتبره الشرع ولأن جاه ذي الجاه ليس له أثر في قبول الدعـاء لأنه لا يتعلق بالداعي ولا بالمدعو ، وإنما هو من شأن ذي الجاه وحده ، فليس بنافع لك في حصول مطلوبك أو دفع مكروبك ، ووسيلة الشيء ما كان موصلاً إليه ، والتوسل بالشيء إلى ما لا يوصـل إليه نوع من العبث ، فلا يليق أن تتخذه فيما بينك وبـين ربك . والله الموفق .
من فتاوى ابن عيثمين
---------------------------------
سئل الشيخ ابن عثيمين - حفظه الله - عن الكهانة ؟ وحكم إتيان الكهان ؟
فأجاب بقوله : الكهانة فعالة مأخوذة من التكهن ، وهو التخرص والتماس الحقيقة بأمور لا أساس لها ، وكانت في الجاهلية صنعة لأقوام تتصـل بهم الشياطين وتسترق السمع من السمـاء وتحدثهم به ، ثم يأخذون الكلمة التي نقلت إليهم من السماء بواسطة هؤلاء الشياطين ويضيفون إليها ما يضيفون من القول ثم يحدثون بها الناس ، فإذا وقع الشيء مطابقاً لما قالوا اغتر بهم الناس واتخذوهم مرجعاً في الحكم بينهم ، وفي استنتاج ما يكون في المستقبل ، ولهذا نقول : الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل .
والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه ، فهذا محرم ، وعقوبة فاعـله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً ، كما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من أتى عرّافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً أو أربعين ليلة ] .
القسم الثاني : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به ، فهذا كفر بالله - عز وجل - لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب ، وتصديق البشر في دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى - : ( قل لا يعلم من في السماوت والأرض الغيب إلا الله ) ولهذا جاء في الحديث الصحيح : [ من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما نزّل على محمد ، صلى الله عليه وسلم ] .
القسم الثالث : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس ، وأنها كهانة وتمويه وتضليل ، فهـذا لا بأس به ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه ابن صياد ، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه فسأله النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ماذا خبأ له ؟ فقال : الدخ يريد الدخان . فقال النـبي : [ اخسأ فلن تعدو قدرك ]
هذه أحوال من يأتي إلى الكاهن ثلاثة :
الأولى : أن يأتي فيسأله بدون أن يصدقه ، وبدون أن يقصد بيان حاله فهذا محرم ، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين ليلة .
الثانية : أن يسأله فيصدقه وهذا كفر بالله - عز وجل - على الإنسان أن يتوب منه ويرجع إلى الله - عز وجل - وإلا مات على الكفر .
الثالثة : أن يأتيه فيسأله ليمتحنه ويبين حاله للناس فهذا لا بأس به .